الوطنية شعور في القلب.. وليست علما في مهرجان
عبد الله الدامون - damounus@yahoo.com
هناك اليوم حالة غريبة لإثبات الوطنية وحب الوطن، وهي أن يتشح المطربون والفنانون بالعلم الأحمر وهم يؤدون أغانيهم في الحفلات الموسيقية والمهرجانات، أو يأتي عندنا مطرب عربي أو أجنبي ويأخذ مئات الملايين ويغني لنا «أغنية وطنية» وهو يضع العلم المغربي على كتفيه، أو تضع مطربة شعبية العلم على خصرها لكي يضبط لها إيقاع الجسد، وهذه كلها تعابير جديدة ومبتكرة عن الوطنية وحب الوطن.
ما يحدث اليوم من طفرة لرفع الأعلام المغربية في المهرجانات يجعل الكثيرين يعتقدون أن المغاربة كانوا أقل وطنية في الماضي. ويبدو أن مغنيات، مثل إليسا وهيفاء وهبي ونانسي عجرم وميريام فارس، صرن أكثر وطنية من نساء مغربيات كثيرات دفعن حياتهن ثمنا لحب الوطن، وأن مطربات الفيديو كليبات الفاضحة أكثر حبا للمغرب من كل هؤلاء الأمهات المغربيات الرائعات اللواتي يقاتلن كل يوم من أجل تربية أبنائهن وتعليمهم.
من المستغرب أيضا أن رفع العلم المغربي في المهرجانات والحفلات الموسيقية صار وسيلة مثلى لتبذير المال العام بلا حسيب ولا رقيب. ويكفي أن يرفع مغن أجنبي العلم المغربي فوق منصة الغناء كي تهتز الجماهير وتهتف باسمه، وبعد ذلك يعتبر من غير اللائق مناقشة الأجر الذي تسلمه هذا المغني، لأنه لا يعقل انتقاد الأجر الكبير قدم إلى مطرب رفع العلم المغربي أو وضعه على كتفيه.
ويبدو أن هذه المظاهر الجديدة للوطنية صارت تشبه ما يقوم به الأمريكيون الجدد الذين يرفعون الأعلام الأمريكية في أي مكان، وأغلب هؤلاء هم من مهاجري أمريكا اللاتينية الذين ينتظرون الحصول على الجنسية، والذين يشكل لهم العلم فرصة لإثبات وطنيتهم ودفع الشك الذي يحوم حول نواياهم، تماما كما حدث لعرب ومسلمين كثيرين أصبح العلم الأمريكي لا يفارقهم بعد أحداث 11 سبتمبر.
ويبدو أن المثال الأفضل لفهم ما يجري يوجد في كتب التراث، حيث يحكى أن عجوزا حكيمة كانت تسير يوما بخطى متثاقلة في أحد الأسواق، وفجأة سمعت صوتا ينهرها ويطلب منها أن تفسح الطريق لشيخ تبدو عليه علامات الوقار والعلم والمهابة. سألت عنه فقيل لها إنه صاحب مائة دليل ودليل على وجود الله، فأجابت المرأة بسخرية مـُرّة: «ويْحكـُمْ.. والله لو لم يكن في قلبه مائة شك وشك حول وجود الله لما بحث عن مائة دليل ودليل.. لقد عشت مائة عام ولم أبحث عن دليل واحد لأن الله موجود في قلبي وفي كل مكان، ولست محتاجة إلى البحث عن دليل واحد على وجوده».
كلام هذه المرأة يجب أن نقول ما يشبهه ونحن نرى كل هذه الأموال تبذر على مغنيات ومغنين يأتون من كل مكان ويدغدغون عواطف الناس برفع الأعلام المغربية وترديد أغان وطنية حماسية، وكأن المغاربة شعب يشك في وجوده ووطنيته، فالوطنية الحقة ليست هي التلويح بالعلم، بل هي النضال من أجل الديمقراطية والكرامة وبناء مجتمع معتز بنفسه وكرامته وغير محتاج أبدا إلى من يدغدغ عواطفه.
* صباح الخير جريدة المساء